وثيقة مستقبل مصر

ظهر للعلن نتاج عصف ذهنى لنخبة من المثقفين المصريين المحترمين بعنوان : " وثيقة مستقبل مصر
وهى عبارة عن حلول عملية لكوارث المجتمع المصرى ليتم تقديمها الى مبارك كصورة لتقديم النصح له
الوثيقة جاءت بدعوة من المرحوم عزيز صدقى ليشارك فى صنعها جميع الاطياف السياسية فى مصر
الوثيقة يشكر هؤلاء المثقفين على جهدهم المحترم
ولكنى اعتقد ان مشاكل المصريين لن تحل بتقديم النصح الى مبارك بل بمعارضته واسقاط نظامه فهو لن يقتنع ويفهم ويحلل ويحل بل سيسجن ويعتقل

بنود الوثيقة من المصرى اليوم
جاءت الوثيقة بعنوان «مستقبل مصر نحو بناء دولة عصرية مدنية وديمقراطية» ينعم فيها كل مواطن مصري بالأمان (الاقتصادي والاجتماعي والثقافي) والكرامة (الحقوق والمشاركة) والعدالة. (القانون وعدم التمييز).
وتعود قصة الوثيقة إلى ثمانية أشهر مضت حين جلس الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق وقيادات ما كان يسمى وقتها الجبهة الوطنية للتغيير في مكتبه لبحث «مستقبل مصر».
حاول المجتمعون وقتها الوصول لخطة عمل لمناقشة «المستقبل»، اتفقوا على عقد اجتماع ثان، التقوا بعدها بأسبوع طلب منهم الدكتور سمير عليش المتحدث باسم الجبهة الخروج بالوثيقة من حيز «المعارضة والموالاة» الضيق إلى سعة الإجماع الوطني واتفقوا على إعداد وثيقة شاملة جامعة ترضي كل المصريين على اختلاف انتماءاتهم ودياناتهم وطوائفهم، بدءوا بعدها لقاءات في أماكن مختلفة داخل منازلهم ومكاتبهم أو حتى قاعات الفنادق.
صدقي قال في ورقة الدعوة للوثيقة التي أرسلها لعشرات السياسيين والمفكرين: كان من الممكن، بل كان من المرغوب فيه، أن يقوم النظام الحاكم الحالي بقيادة عملية التغيير ليس فقط في وجوه كبار المسئولين وإنما أيضا في السياسات والنظم المعمول بها.
وأشار صدقي إلى أن منظومة الحكم لم توفق خلال السنوات الماضية في اختيار الدماء الجديدة اللازمة لإحداث التغيير المنشود والضروري لتدعيم جسور الثقة بينها وبين جماهير الشعب، بل على العكس تماما فقد اتسعت هوة الثقة بينهما، حيث أدت السياسات الاقتصادية إلى زيادة المعاناة المعيشية للسواد الأعظم من الشعب وإلى استشراء الفساد حتى نال رموزا من القيادات في أعلى سلم السلطة.
وحدد صدقي خطة عمل المجموعة لإعداد وثيقة مستقبل مصر قائلا: نسعى في جو من الإخلاص والتسامح لنعطي مصر (مواطنين، وتيارات سياسية ومدنية) هذا الأمل الكبير في إحداث التغيير الذي تستحقه بقدر ما تحتاج إليه.
عشرات المفكرين وقيادات النخبة تحمسوا للفكرة وبدءوا المشاركة.. في منتصف الطريق تعرضت الوثيقة لنكسة مؤقتة بوفاة صاحب فكرتها عزيز صدقي، لكن ما لبثت أن تجاوزتها وواصل المشاركون اجتماعاتهم، الكل يضيف أو يحذف، يوافق على الصياغة أو يرفضها، ليبراليون وإخوان واشتراكيون ومستقلون وحزب وطني يتناقشون ويتعاركون، البعض ينسحب وآخرون ينضمون.
مرة أخرى تعرضت الوثيقة لوقفة أخرى بوفاة أحد أبرز ناشطيها محمود محفوظ وزير الصحة الأسبق وعضو مجلس الشورى، استمرت الاجتماعات بعدها أسبوعيا وأرسلت الوثيقة لمجموعة من كبار الكتاب.. محمود عوض وسلامة أحمد سلامة وصلاح الدين حافظ وسعد هجرس الذي شارك في إدارة إحدى جلسات كتابة الوثيقة وجميل مطر الذي أعد السياسة الخارجية ونبيل حلمي عضو لجنة السياسات بالحزب الحاكم والذي لم يرد عليها.
وقال سمير عليش إن الوثيقة تحاول الاستعداد لمستقبل الحكم في ظل حالة الضبابية التي تعاني منها مختلف شرائح المصريين.
وأكد عليش اعتزام المجموعة الموقعة على الوثيقة إرسالها إلى الرئيس مبارك والدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى وكل القيادات التنفيذية والتشريعية.
المبادئ الأساسية للدولة*
دولة مدنية ديمقراطية شعارها: «كل الحقوق لكل الناس»
قالت الوثيقة إنه قد حان الوقت للبدء في إعادة بناء الدولة التي تعاني الآن شروخا وانكسارات تدعو إلى إعادة البناء، وأكدت أن المبادئ الأساسية للدولة هي:
١- دولة «مدنية وديمقراطية»، تؤسس على قاعدة «كل الحقوق لكل الناس».
٢- إنها دولة لا تقبل بمعادلة سياسية مغلقة، ولكنها تتبني معادلة سياسية مفتوحة.. لا إقصاء فيها لأحد.. طالما احترم قواعد تداول السلطة سلميا والتزم بها.. ولا استحواذ فيها للسلطة لأحد بغير سند من الإرادة الشعبية.
٣- إنها دولة لا تقبل بالتهميش الاجتماعي أو الديني.. فهي دولة كل الناس.
٤- إنها دولة لا تذوب - على الإطلاق - في أي حزب سياسي.
٥- إنها دولة ليست مقطوعة الصلة بالدين.. فالقيم الدينية هي عامل أساسي في التنمية المجتمعية، وهي التي ترسم الإطار الأخلاقي للدولة، وبالتالي فهي دولة مدنية تحترم كل الديانات والعقائد وتوفر لمعتنقيها حرية التعبير وحرية العبادة.
٦- إن المرجعية في هذه الدولة هي دستور جديد.. وهو الحكم بين السلطات «التنفيذية، التشريعية، القضائية».
٧- إنها دولة لا تصطنع تصادما مع المجتمع المدني، فهي الحارس على فكرة الحرية، والمجتمع المدني هو الحارس على شرعية سيادتها.
٨- إنها دولة تقر بمبدأ اللامركزية وتمنح اختصاصات الرقابة والمساءلة للمجالس المحلية المنتخبة.
ثانيا- حقوق الشعب كمصدر للشرعية والسيادة.. حيث إن الشعب هو مصدر الشرعية والسيادة، فإن هناك حقوقا ترتب له ولا يملك أحد سلطة مصادرتها أو تعطيلها، ونحن نرى هذه الحقوق كما يلي:
١- حق الشعب (بمواطنيه المقيمين في الداخل والخارج) في التعبير عن إرادته في استفتاءات وانتخابات حرة ونزيهة تكتمل فيها سلامة الإجراءات في ظل تمثيل عادل لكل فئات الشعب، ودونها فإن شرعية الحكم تبقى في أزمة.
٢- لأن الإشراف على الاستفتاءات والانتخابات (القومية والمحلية) هو قضية متعلقة بثقة الشعب، فمن يمنحه الشعب ثقته في الإشراف عليها، هو من ينبغي أن يشرف عليها، ولأن الشعب المصري قد منح ثقته القضاء فمن حق الشعب أن تجري الانتخابات تحت إشراف القضاء وفقا لقاعدة «قاضٍ لكل صندوق».
٣- حق الشعب في تأسيس أحزاب سياسية تعبر عن أفكاره وآرائه وقناعاته، ولأن هذا الحق بطبيعته هو حق مشروط.. فإننا نرى أن الموافقة أو عدم الموافقة على قيام حزب، هو أمر مرهون بالمحكمة الدستورية العليا وحدها، وأن ينص على ذلك في الدستور الجديد.
٤- حق الشعب في الحصول على معلومات صحيحة وليس على معلومات موجهة أو مغلوطة، وبالتالي فإن الانتقاص من حرية الصحافة ومن حرية الإعلام وحرية تداول المعلومات هو اعتداء على حقوق الناس قبل أن يكون اعتداء على حقوق الكلمة المقروءة والمسموعة، ولذلك فإننا نطالب بإلغاء وزارة الإعلام وإدارة المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة من خلال مجلس أعلى للمؤسسات الإعلامية، له استقلالية كاملة، ويتيح حصصا إعلامية متكافئة لكل القوى والآراء.
ثالثا: أولوية وأبعاد الإصلاح السياسي (التصدي للاستبداد وللاحتكار السياسي)
الإصلاح السياسي هو شاغل الجميع وهو شاغلنا أيضا؛ لأنه مقدمة ضرورية نحو بناء الدولة العصرية «المدنية الديمقراطية»، ونحن نتمثل أولويته وأبعاده على النحو التالي:
١- في واقعنا الحالي، فإن الإصلاح السياسي لا بد أن يسبق الإصلاح الاقتصادي.. أو يتزامن معه على الأقل، وليس هناك ما يبرر على الإطلاق تأجيله.
٢ - إن ملف الإصلاح السياسي - وعلاوة على كل ما سبق وفي مقدمته تداول السلطة سلميا عبر انتخابات حرة شفافة - يتسع لقضايا رئيسية أخرى، مثل:
(١) الفصل بين السلطات دستوريا وتحقيق التكافؤ بينها، وفي هذه الجزئية فنحن نرى أن تحقيق التكافؤ بين السلطات والفصل بينها يستدعي تقييد صلاحيات رأس الدولة وتنظيم إجراءات مساءلته، كما يستدعي الموازنة الدقيقة بين صلاحيات السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وعلى سبيل المثال فإذا منح الدستور الجديد للرئيس (باعتباره رأس السلطة التنفيذية) صلاحية حل البرلمان وفقا لإجراءات منظمة، فإن الدستور الجديد ينبغي أن يمنح أيضا البرلمان صلاحية موازية بمساءلة وإقالة الرئيس وفقا لإجراءات منظمة.
تقييد المدد الرئاسية بمدتين وعدم تركها مفتوحة، وأن ينص الدستور الجديد على ذلك، فلقد عانت مصر ومنذ تأسيس دولة محمد علي وحتي الآن من طغيان السلطة التنفيذية وضعف السلطة التشريعية، وبالتالي فإن إصلاح الخلل بينهما يقضي بتقييد المدد الرئاسية.
(٢) لأن حق التقاضي والتمكين له هو من أهم حقوق الناس، فإن الفصل التام بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية يتصدر أولويات الإصلاح السياسي، وعندئذ فنحن نرى:
أ - أن تختص السلطة القضائية بإدارة شئونها وفقا للنظام العام، وبما لا يتعارض مع الدستور الجديد.
ب- أن يعاد النظر في اختصاصات وزير العدل، بحيث يتحول إلى وزير دولة للمحاكم وأن يتم اختيار النائب العام عن طريق الانتخاب المباشر من الجمعيات العمومية للقضاة، ولا يترأس رئيس الجمهورية أي مجلس قضائي أعلى، وأن تقوم السلطة القضائية - وفقا لإجراءات منظمة - بترشيح اسم رئيس المحكمة الدستورية العليا.
إتاحة جميع المناصب لكل المصريين دون تمييز حيث دعت الوثيقة إلى ما سمته «المواطنة الكاملة»، والتي حددت معالمها في اكتساب الحقوق بأبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واقتسام الموارد العامة للبلاد في إطار عملية إنتاجية، على أن تتم هذه الحركة دون أي تمييز سواء بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب أو العرق أو المكانة أو الثروة، وذلك في إطار الوطن الواحد الذي من الطبيعي أن يتضمن حركة المختلفين بحيث يصب كل جهد مبذول من أجل الخير العام.
وحذرت الوثيقة من أنه إذا تمت إعاقة حركة المواطنين عن ممارسة المواطنة لأي سبب فإنهم بالضرورة سوف ينعزلون عن الانتماء العام.
ودعت إلى مواجهة كل ما من شأنه إعاقة تحقق المواطنة التي من مظاهرها اللامساواة بين الفقير والغني، المرأة والرجل، المسلم والمسيحي، بواسطة رفض كل دعاوى التقسيم الطائفي للسلطة، فهذه الدعاوى في حد ذاتها تمثل انقلابا على مفهوم المواطنة.. فضلا عن أنها تقود إلى بناء «دولة كرتونية» لا أمان فيها لأحد وتكريس المعنى المدني لجميع المناصب في الدولة.
فمنصب رئيس الدولة - على سبيل المثال - يعبر عن التزامات مدنية محددة مثل احترام الدستور والقانون اللذين ارتضاهما الناس بملء إرادتهم الحرة لإقامة العدل واحترام حقوق ومصالح الناس... إلخ، والاعتراف بحقوق الكفاءة كجزء لا يتجزأ من حقوق المواطنة.
إلغاء وزارة الثقافة
دعت الوثيقة إلى تفعيل مفردات القوة الناعمة، من بينها الثقافة بالإضافة إلى إلغاء وزارة الثقافة لصالح المجلس الأعلى للثقافة، على أن يتمتع بالاستقلالية الكاملة.
وقالت الوثيقة إن تفعيل الثقافة المصرية مشروط بحماية واحترام اللغة العربية والانتماء إلى روح العصر والتفاعل معها عبر نافذة مفتوحة، وتفجير طاقة الإبداع في المجتمع المصري لحل إشكاليات ثقافية «حقيقية أو مصطنعة» مازالت تعترض طريقه وتثير ارتباكا في أوساطه مثل الإشكالية الدينية / العلمانية.
ولأن الإبداع هو إجابة جديدة عن سؤال جديد أو عن سؤال قديم، ولأن الفكر هو القادر على تقديم هذه الإجابة، فإننا نؤمن بأن مصر في حاجة إلى مفكرين قادرين على حل تلك الإشكاليات، وأن على المؤسسات الثقافية في الدولة الجديدة أن تحتضنهم وتوفر لهم المعطيات المواتية لإبداعاتهم.
مدع عام مستقل للتصدي للفساد المؤسسي
أشارت الوثيقة إلى أن الفساد المؤسسي له أسبابه وجذوره قائلة: «نرى في الوقت نفسه ضرورة التصدي له، إلا أننا نرى أيضا أنه لا يمكن مكافحته وحصاره طالما أن هناك قرارات سيادية تملك الحق في إغلاق ملفاته أو حبسها في أدراج الأجهزة الرقابية،
ولذلك فإننا نقترح وفي إطار دعوتنا إلى بناء دولة عصرية «مدنية وديمقراطية» وصياغة دستور جديد.. أن يكون لمجلس الشعب ومنظمات المجتمع المدني الحق في توكيل شخص تحت مسمى «المدعي العام المستقل» بهدف التحقيق في أي ملفات فساد قد يكون قد تم إغلاقها بقرارات سيادية وأن يلزم القانون الأجهزة الرقابية بتقديم كل المعلومات إليه، وأن يمنحه القانون الصلاحية في إقامة الدعوى القضائية باسم المجتمع.
النظام الاقتصادي*
الدعوة إلى مرونة في السياسات الاقتصادية والترويج لمصطلح «اقتصاد السوق الاجتماعية» بمشاركة بين الدولة والقطاع الخاص.
حددت الوثيقة معالم النظام الاقتصادي بأنه مرن، وقالت إنه إذا قبلنا بأن هناك اختلافا وتمايزا بين الأحزاب والقوى السياسية في زوايا الرؤية الاقتصادية، وأنه في حال تداول السلطة سلميا فإن كل حزب سوف يحاول تطبيق رؤيته عبر سياسات اقتصادية، فإن كل ما نبحث عنه عندئذ ونطالب به هو إطار عام يتضمن المبادئ التالية التي توافقنا عليها:
١- أن روح العصر ومستجداته تنتصر لفكرة اقتصاديات السوق الاجتماعية التي تلعب فيها الدولة والقطاع العام والقطاع الخاص والقطاع المدني والقطاع التعاوني أدوارا رئيسية في دولاب التنمية المستدامة، وفي توفير الأمان الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين.
٢- إن انحيازنا لاقتصاديات السوق الاجتماعية تجعلنا نضع خطا فاصلا بين علاقات السوق وانحرافات السوق، وبالتالي فإننا نرفض الاحتكار وغياب القواعد العادلة للمنافسة وغياب الشفافية وغياب رقابة الدولة بدعوى حرية السوق.. إلخ.
٣- إننا ننحاز إلى السوق الموسعة وليس إلى السوق الضيقة، لأننا نؤمن بأن السوق ينبغي أن تكون بؤرة جذب اجتماعي تتسع لكل الفئات والشرائح الاجتماعية، وليست بؤرة طرد اجتماعي تستبقي فئات وشرائح اجتماعية خارج أسوارها.
٤- ولأننا ننحاز إلى السوق الموسعة فإننا نؤمن بتوسيع القاعدة الإنتاجية بضمانات تتوافر لصغار المنتجين وصغار المدخرين وبإستراتيجيات تسعى إلى تنمية قدرات أكثر الفئات ضعفا.
٥- إننا نرفض السياسات التي تقبل بتركز الثروة لدى أقلية بأمل تحقيق نمو اقتصادي تتساقط فيما بعد ثماره على المجتمع بأسره، فهذه السياسات تفضي إلى زيادة التهميش للفقراء ولشرائح عديدة من الطبقة الوسطى، وتؤدي إلى زيادة الأغنياء ثراء بما يهدد الأمن الاجتماعي والأمن الإنساني، وبالتبعية الأمن القومي، وبالمثل فإنها لا توفر شروط النمو المتوازن بين الشرائح الاجتماعية، وأيضا بين المناطق الجغرافية على مستوى المدينة والقرية والأطراف، وفي غياب النمو المتوازن فإن قاطرة التنمية المستدامة لا تذهب بعيدا.
٦- إننا - ومن حيث المبدأ - نرحب بكل السياسات التي تفتح طريقا لنمو وازدهار الاقتصاد المصري بمبادرات وجهود القطاع الخاص، ولكننا نضيف:
(١) أن من حق كل رجل أعمال أن يبحث عن تنمية ثروته، ولكن من حق المجتمع أن يسائله عن مصدر الثروة، وأن يطمئن إلى أنها تكونت في إطار ممارسات قانونية لا شبهة فيها، فقوانين السوق لا تضفي حماية على ممارسات غير قانونية ولا تقبل بها.
(٢) أن معيار التقييم لأداء القطاع الخاص هو مدى إضافته للثروة المجتمعية، ولذلك فإننا نجد أنفسنا أكثر دعما للمنظمين، وهي الفئة التي ينتمي إليها رجال أعمال يقبلون المخاطرة في إنتاج سلع جديدة، وفي تبني أساليب إنتاجية جديدة... إلخ، فهؤلاء يضيفون إلى ثرواتهم وإلى الثروة المجتمعية.
7- إننا لا نؤمن باستقالة الدولة من أداء دورها في المجال الاقتصادي بدعوى حرية السوق، ولم نر دولة في العالم المتقدم أو في عالم النمور الاقتصادية النامية قدمت استقالتها من هذا الدور.. لأن ما يجري على أرض الواقع هو إدارة السوق التي تستبقي للدولة دورا يمتد إلى:
(١) إحكام الرقابة على علاقات السوق للحيلولة دون الانزلاق إلى انحرافاتها.
(٢) سن القوانين التي توفر شروط المنافسة العادلة وإعمالها بما يحول دون إحكام قبضة المنافسة المتوحشة والاحتكار.
(٣) إدارة معادلة التوازن بين المنتجين والمستهلكين في ظل توافق عام.
(٤) الاضطلاع بمهمة «المنظم» في مضمار صناعات التكنولوجيا الطليعية، وبالتالي فنحن نرفض الدعوة إلى انسحاب الدولة من النشاط الإنتاجي، فهناك دور إنتاجي ينتظرها بضخ استثماراتها، على سبيل المثال في مجال الصناعات المتطورة، وفي مجال التقدم العلمي.. باعتبار أن المعرفة قد صارت موردا إنتاجيا في الاقتصاديات المعاصرة.
(٥) إدارة المرافق العامة والحكومية ومؤسسات القطاع العام - التي تقضي اعتبارات الأمن القومي والأمن الاجتماعي أن تبقي في يد الدولة - وفق ضوابط قانونية وتحت رقابة من ممثلي الشعب، ونلحق بذلك ملاحظة مؤداها أن على الدولة أن تدير هذه المرافق بميزانيات تشغيل تعطي الأولوية تسيير دولاب العمل وتأمين احتياجاته، وليس - وكما يحدث الآن - بميزانيات توزيع تعطي الأولوية لرواتب القيادات العليا ومكافآتها.
(٦) تحديد حد أدني للأجور يتوافق مع تكلفة المعيشة، ومراجعة النسب المقارنة بين رواتب ومكافآت القيادات العليا ورواتب ومكافآت مرءوسيهم، فلقد ازدادت النسبة في الحالة المصرية إلى حدود تثير القلق ولا تجد لها سندا موضوعيا.
(٧) تنظيم سوق العمل في ظل ضمانات تقر بحقوق العمال (ومن بينها التأمين ضد البطالة وتوفير التدريب التحويلي) من ناحية، وتشرع لهم وسائل التمكين للدفاع عن هذه الحقوق سلميا من ناحية أخرى.
(٨) تأمين ضوابط التنمية المستدامة التي تقضي بألا يقوم جيل باستنزاف الثروات الطبيعية (بترول، غاز طبيعي، أرصدة غير متجددة للمياه....) وحرمان أجيال قادمة من حقوقها في هذه الثروات دون تعويضها بثروات بديلة، وعندئذ فإن على الدولة أن تراعي التكامل بين ثلاث حزم من الضوابط: (حزمة الكفاءة، حزمة العدل الاجتماعي، حزمة صون البيئة).
سياسات عادلة في توزيع الدخل
ذكرت الوثيقة أن الدعوة إلى الدولة العصرية «مدنية وديمقراطية» تتطلب طرح خيارات البعد الاجتماعي في ظل أقلية تحتكر كل الامتيازات لها ولأبنائها.. بينما تفترش قاعدة الهرم فئات عريضة من المحرومين، والتي تزداد اتساعا بالوافدين من الفقر والتهميش والحرمان، واعتبرت أن الفقر هو عائق على طريق الحرية، كما أنه مسئولية سياسات اجتماعية خاطئة، وحددت خيارات البعد الاجتماعي للوثيقة بـ:
١- إرساء قواعد البنية المجتمعية التي تسمح للفئات الفقيرة والمهمشة بالحراك الاجتماعي صعودا إلى طبقة وسطى موسعة، وهذا يعني تبني سياسات عادلة لتوزيع الدخل القومي.. تحافظ للطبقة الوسطى على مدخراتها.. وترفع نصيب الفئات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة في حصة التوزيع، ولا تنحاز لرأس المال على حساب عنصر العمل.. وتحول دون تركز الثروة في قبضة أقلية في قمة الهرم الاجتماعي.
٢- وفاء الدولة بالتزاماتها الاجتماعية بما يكفل جودة الحياة - على الأقل بحدودها الدنيا - لمواطنيها، وبما يكفل أيضا الأمن الإنساني للشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة، وهو الأمن الذي يطالب الدولة - ضمن مطالبات أخرى - بمد شبكة البنية الأساسية «مياه الشرب الصالحة، الصرف الصحي...» إلى كل المناطق.
٣- أن كل المواطنين هم شركاء في التنمية، ولذلك فإن التعليم لا يعد فقط هو الحق والواجب.. حق لكل طفل ذكر أو أنثى.. وواجب تلتزم به الدولة، ولكن جودة التعليم - وكما نؤمن - هي الأخرى حق وواجب، فالتعليم هو عملية لخلق قدرات لدى الأفراد، ومن ثم فهو استثمار بشري وليس إنفاقا جاريا، وبمدى جودته بالتالي يصير الأفراد، كل الأفراد، شركاء في التنمية.
جودة التعليم واستقلال الجامعات
المدارس والجامعات الحكومية ينبغي أن تتمتع بجودة التعليم وليس مقبولا التحجج بضعف الإمكانات المالية، فجودة التعليم - إذا ما خلصت الإرادة وانفرجت زاوية الرؤية - تقبل بالحد الأدنى من التمويل ولا تبقى معلقة بالحد الأقصى.
وأن استقلالية الجامعات هي زاوية ارتكاز في تطوير التعليم بقدر ما تكون منفرجة وراسخة، ومعيار الاستقلالية كما نتبناه هو تمتعها بالحرية الأكاديمية دون تدخلات حكومية تستلب الاستقلالية وتصادر الحرية، وتدفع بالأساتذة الموهوبين بعيدا عن مركز الفعل وتحل بديلا لهم آخرين بمعيار الولاء السياسي.
ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل واحتياجات التنمية المستدامة هو ضرورة لا تحتمل الجدل، ولكننا نرى - في الوقت نفسه - أنها ضرورة مشروطة برؤية مستقبلية للاقتصاد المصري يزداد بها الطلب على العمل الأكثر تأهيلا والذي يدفع بدوره - ومن خلال الربط - إلى تحفيز التعليم على التطور ضخا لمخرجات مكثفة للمعرفة والتكنولوجيا والمؤسسة التعليمية يجب أن توفر في جميع وحداتها قيم الديمقراطية مثل «التسامح، العقلانية، الحرية، الشفافية».
ويجب أيضاً أن تضطلع بدور محوري ونشط من خلال أساتذتها وطلابها في التصدي للقضايا المجتمعية مثل محو الأمية، وتنمية رأس المال الفكري والاجتماعي، وإصحاح البيئة، وتعميق مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان.
إن التعليم مسئولية سيادية وعليه تجب إعادة صياغة القوانين والتشريعات والآليات التنظيمية بما يساعد جميع عناصر المنظومة التعليمية «عام وخاص»، «وطني وأجنبي»، «مدني وديني» على إعداد المواطن المصري بمواصفات تمكنه من الحفاظ على تماسك اللحمة الوطنية، وهويته وتراثه الحضاري، كما تمكنه أيضا من المشاركة الفاعلة في التقدم الإنساني.
وتعود قصة الوثيقة إلى ثمانية أشهر مضت حين جلس الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق وقيادات ما كان يسمى وقتها الجبهة الوطنية للتغيير في مكتبه لبحث «مستقبل مصر».
حاول المجتمعون وقتها الوصول لخطة عمل لمناقشة «المستقبل»، اتفقوا على عقد اجتماع ثان، التقوا بعدها بأسبوع طلب منهم الدكتور سمير عليش المتحدث باسم الجبهة الخروج بالوثيقة من حيز «المعارضة والموالاة» الضيق إلى سعة الإجماع الوطني واتفقوا على إعداد وثيقة شاملة جامعة ترضي كل المصريين على اختلاف انتماءاتهم ودياناتهم وطوائفهم، بدءوا بعدها لقاءات في أماكن مختلفة داخل منازلهم ومكاتبهم أو حتى قاعات الفنادق.
صدقي قال في ورقة الدعوة للوثيقة التي أرسلها لعشرات السياسيين والمفكرين: كان من الممكن، بل كان من المرغوب فيه، أن يقوم النظام الحاكم الحالي بقيادة عملية التغيير ليس فقط في وجوه كبار المسئولين وإنما أيضا في السياسات والنظم المعمول بها.
وأشار صدقي إلى أن منظومة الحكم لم توفق خلال السنوات الماضية في اختيار الدماء الجديدة اللازمة لإحداث التغيير المنشود والضروري لتدعيم جسور الثقة بينها وبين جماهير الشعب، بل على العكس تماما فقد اتسعت هوة الثقة بينهما، حيث أدت السياسات الاقتصادية إلى زيادة المعاناة المعيشية للسواد الأعظم من الشعب وإلى استشراء الفساد حتى نال رموزا من القيادات في أعلى سلم السلطة.
وحدد صدقي خطة عمل المجموعة لإعداد وثيقة مستقبل مصر قائلا: نسعى في جو من الإخلاص والتسامح لنعطي مصر (مواطنين، وتيارات سياسية ومدنية) هذا الأمل الكبير في إحداث التغيير الذي تستحقه بقدر ما تحتاج إليه.
عشرات المفكرين وقيادات النخبة تحمسوا للفكرة وبدءوا المشاركة.. في منتصف الطريق تعرضت الوثيقة لنكسة مؤقتة بوفاة صاحب فكرتها عزيز صدقي، لكن ما لبثت أن تجاوزتها وواصل المشاركون اجتماعاتهم، الكل يضيف أو يحذف، يوافق على الصياغة أو يرفضها، ليبراليون وإخوان واشتراكيون ومستقلون وحزب وطني يتناقشون ويتعاركون، البعض ينسحب وآخرون ينضمون.
مرة أخرى تعرضت الوثيقة لوقفة أخرى بوفاة أحد أبرز ناشطيها محمود محفوظ وزير الصحة الأسبق وعضو مجلس الشورى، استمرت الاجتماعات بعدها أسبوعيا وأرسلت الوثيقة لمجموعة من كبار الكتاب.. محمود عوض وسلامة أحمد سلامة وصلاح الدين حافظ وسعد هجرس الذي شارك في إدارة إحدى جلسات كتابة الوثيقة وجميل مطر الذي أعد السياسة الخارجية ونبيل حلمي عضو لجنة السياسات بالحزب الحاكم والذي لم يرد عليها.
وقال سمير عليش إن الوثيقة تحاول الاستعداد لمستقبل الحكم في ظل حالة الضبابية التي تعاني منها مختلف شرائح المصريين.
وأكد عليش اعتزام المجموعة الموقعة على الوثيقة إرسالها إلى الرئيس مبارك والدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى وكل القيادات التنفيذية والتشريعية.
المبادئ الأساسية للدولة*
دولة مدنية ديمقراطية شعارها: «كل الحقوق لكل الناس»
قالت الوثيقة إنه قد حان الوقت للبدء في إعادة بناء الدولة التي تعاني الآن شروخا وانكسارات تدعو إلى إعادة البناء، وأكدت أن المبادئ الأساسية للدولة هي:
١- دولة «مدنية وديمقراطية»، تؤسس على قاعدة «كل الحقوق لكل الناس».
٢- إنها دولة لا تقبل بمعادلة سياسية مغلقة، ولكنها تتبني معادلة سياسية مفتوحة.. لا إقصاء فيها لأحد.. طالما احترم قواعد تداول السلطة سلميا والتزم بها.. ولا استحواذ فيها للسلطة لأحد بغير سند من الإرادة الشعبية.
٣- إنها دولة لا تقبل بالتهميش الاجتماعي أو الديني.. فهي دولة كل الناس.
٤- إنها دولة لا تذوب - على الإطلاق - في أي حزب سياسي.
٥- إنها دولة ليست مقطوعة الصلة بالدين.. فالقيم الدينية هي عامل أساسي في التنمية المجتمعية، وهي التي ترسم الإطار الأخلاقي للدولة، وبالتالي فهي دولة مدنية تحترم كل الديانات والعقائد وتوفر لمعتنقيها حرية التعبير وحرية العبادة.
٦- إن المرجعية في هذه الدولة هي دستور جديد.. وهو الحكم بين السلطات «التنفيذية، التشريعية، القضائية».
٧- إنها دولة لا تصطنع تصادما مع المجتمع المدني، فهي الحارس على فكرة الحرية، والمجتمع المدني هو الحارس على شرعية سيادتها.
٨- إنها دولة تقر بمبدأ اللامركزية وتمنح اختصاصات الرقابة والمساءلة للمجالس المحلية المنتخبة.
ثانيا- حقوق الشعب كمصدر للشرعية والسيادة.. حيث إن الشعب هو مصدر الشرعية والسيادة، فإن هناك حقوقا ترتب له ولا يملك أحد سلطة مصادرتها أو تعطيلها، ونحن نرى هذه الحقوق كما يلي:
١- حق الشعب (بمواطنيه المقيمين في الداخل والخارج) في التعبير عن إرادته في استفتاءات وانتخابات حرة ونزيهة تكتمل فيها سلامة الإجراءات في ظل تمثيل عادل لكل فئات الشعب، ودونها فإن شرعية الحكم تبقى في أزمة.
٢- لأن الإشراف على الاستفتاءات والانتخابات (القومية والمحلية) هو قضية متعلقة بثقة الشعب، فمن يمنحه الشعب ثقته في الإشراف عليها، هو من ينبغي أن يشرف عليها، ولأن الشعب المصري قد منح ثقته القضاء فمن حق الشعب أن تجري الانتخابات تحت إشراف القضاء وفقا لقاعدة «قاضٍ لكل صندوق».
٣- حق الشعب في تأسيس أحزاب سياسية تعبر عن أفكاره وآرائه وقناعاته، ولأن هذا الحق بطبيعته هو حق مشروط.. فإننا نرى أن الموافقة أو عدم الموافقة على قيام حزب، هو أمر مرهون بالمحكمة الدستورية العليا وحدها، وأن ينص على ذلك في الدستور الجديد.
٤- حق الشعب في الحصول على معلومات صحيحة وليس على معلومات موجهة أو مغلوطة، وبالتالي فإن الانتقاص من حرية الصحافة ومن حرية الإعلام وحرية تداول المعلومات هو اعتداء على حقوق الناس قبل أن يكون اعتداء على حقوق الكلمة المقروءة والمسموعة، ولذلك فإننا نطالب بإلغاء وزارة الإعلام وإدارة المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة من خلال مجلس أعلى للمؤسسات الإعلامية، له استقلالية كاملة، ويتيح حصصا إعلامية متكافئة لكل القوى والآراء.
ثالثا: أولوية وأبعاد الإصلاح السياسي (التصدي للاستبداد وللاحتكار السياسي)
الإصلاح السياسي هو شاغل الجميع وهو شاغلنا أيضا؛ لأنه مقدمة ضرورية نحو بناء الدولة العصرية «المدنية الديمقراطية»، ونحن نتمثل أولويته وأبعاده على النحو التالي:
١- في واقعنا الحالي، فإن الإصلاح السياسي لا بد أن يسبق الإصلاح الاقتصادي.. أو يتزامن معه على الأقل، وليس هناك ما يبرر على الإطلاق تأجيله.
٢ - إن ملف الإصلاح السياسي - وعلاوة على كل ما سبق وفي مقدمته تداول السلطة سلميا عبر انتخابات حرة شفافة - يتسع لقضايا رئيسية أخرى، مثل:
(١) الفصل بين السلطات دستوريا وتحقيق التكافؤ بينها، وفي هذه الجزئية فنحن نرى أن تحقيق التكافؤ بين السلطات والفصل بينها يستدعي تقييد صلاحيات رأس الدولة وتنظيم إجراءات مساءلته، كما يستدعي الموازنة الدقيقة بين صلاحيات السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وعلى سبيل المثال فإذا منح الدستور الجديد للرئيس (باعتباره رأس السلطة التنفيذية) صلاحية حل البرلمان وفقا لإجراءات منظمة، فإن الدستور الجديد ينبغي أن يمنح أيضا البرلمان صلاحية موازية بمساءلة وإقالة الرئيس وفقا لإجراءات منظمة.
تقييد المدد الرئاسية بمدتين وعدم تركها مفتوحة، وأن ينص الدستور الجديد على ذلك، فلقد عانت مصر ومنذ تأسيس دولة محمد علي وحتي الآن من طغيان السلطة التنفيذية وضعف السلطة التشريعية، وبالتالي فإن إصلاح الخلل بينهما يقضي بتقييد المدد الرئاسية.
(٢) لأن حق التقاضي والتمكين له هو من أهم حقوق الناس، فإن الفصل التام بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية يتصدر أولويات الإصلاح السياسي، وعندئذ فنحن نرى:
أ - أن تختص السلطة القضائية بإدارة شئونها وفقا للنظام العام، وبما لا يتعارض مع الدستور الجديد.
ب- أن يعاد النظر في اختصاصات وزير العدل، بحيث يتحول إلى وزير دولة للمحاكم وأن يتم اختيار النائب العام عن طريق الانتخاب المباشر من الجمعيات العمومية للقضاة، ولا يترأس رئيس الجمهورية أي مجلس قضائي أعلى، وأن تقوم السلطة القضائية - وفقا لإجراءات منظمة - بترشيح اسم رئيس المحكمة الدستورية العليا.
إتاحة جميع المناصب لكل المصريين دون تمييز حيث دعت الوثيقة إلى ما سمته «المواطنة الكاملة»، والتي حددت معالمها في اكتساب الحقوق بأبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واقتسام الموارد العامة للبلاد في إطار عملية إنتاجية، على أن تتم هذه الحركة دون أي تمييز سواء بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب أو العرق أو المكانة أو الثروة، وذلك في إطار الوطن الواحد الذي من الطبيعي أن يتضمن حركة المختلفين بحيث يصب كل جهد مبذول من أجل الخير العام.
وحذرت الوثيقة من أنه إذا تمت إعاقة حركة المواطنين عن ممارسة المواطنة لأي سبب فإنهم بالضرورة سوف ينعزلون عن الانتماء العام.
ودعت إلى مواجهة كل ما من شأنه إعاقة تحقق المواطنة التي من مظاهرها اللامساواة بين الفقير والغني، المرأة والرجل، المسلم والمسيحي، بواسطة رفض كل دعاوى التقسيم الطائفي للسلطة، فهذه الدعاوى في حد ذاتها تمثل انقلابا على مفهوم المواطنة.. فضلا عن أنها تقود إلى بناء «دولة كرتونية» لا أمان فيها لأحد وتكريس المعنى المدني لجميع المناصب في الدولة.
فمنصب رئيس الدولة - على سبيل المثال - يعبر عن التزامات مدنية محددة مثل احترام الدستور والقانون اللذين ارتضاهما الناس بملء إرادتهم الحرة لإقامة العدل واحترام حقوق ومصالح الناس... إلخ، والاعتراف بحقوق الكفاءة كجزء لا يتجزأ من حقوق المواطنة.
إلغاء وزارة الثقافة
دعت الوثيقة إلى تفعيل مفردات القوة الناعمة، من بينها الثقافة بالإضافة إلى إلغاء وزارة الثقافة لصالح المجلس الأعلى للثقافة، على أن يتمتع بالاستقلالية الكاملة.
وقالت الوثيقة إن تفعيل الثقافة المصرية مشروط بحماية واحترام اللغة العربية والانتماء إلى روح العصر والتفاعل معها عبر نافذة مفتوحة، وتفجير طاقة الإبداع في المجتمع المصري لحل إشكاليات ثقافية «حقيقية أو مصطنعة» مازالت تعترض طريقه وتثير ارتباكا في أوساطه مثل الإشكالية الدينية / العلمانية.
ولأن الإبداع هو إجابة جديدة عن سؤال جديد أو عن سؤال قديم، ولأن الفكر هو القادر على تقديم هذه الإجابة، فإننا نؤمن بأن مصر في حاجة إلى مفكرين قادرين على حل تلك الإشكاليات، وأن على المؤسسات الثقافية في الدولة الجديدة أن تحتضنهم وتوفر لهم المعطيات المواتية لإبداعاتهم.
مدع عام مستقل للتصدي للفساد المؤسسي
أشارت الوثيقة إلى أن الفساد المؤسسي له أسبابه وجذوره قائلة: «نرى في الوقت نفسه ضرورة التصدي له، إلا أننا نرى أيضا أنه لا يمكن مكافحته وحصاره طالما أن هناك قرارات سيادية تملك الحق في إغلاق ملفاته أو حبسها في أدراج الأجهزة الرقابية،
ولذلك فإننا نقترح وفي إطار دعوتنا إلى بناء دولة عصرية «مدنية وديمقراطية» وصياغة دستور جديد.. أن يكون لمجلس الشعب ومنظمات المجتمع المدني الحق في توكيل شخص تحت مسمى «المدعي العام المستقل» بهدف التحقيق في أي ملفات فساد قد يكون قد تم إغلاقها بقرارات سيادية وأن يلزم القانون الأجهزة الرقابية بتقديم كل المعلومات إليه، وأن يمنحه القانون الصلاحية في إقامة الدعوى القضائية باسم المجتمع.
النظام الاقتصادي*
الدعوة إلى مرونة في السياسات الاقتصادية والترويج لمصطلح «اقتصاد السوق الاجتماعية» بمشاركة بين الدولة والقطاع الخاص.
حددت الوثيقة معالم النظام الاقتصادي بأنه مرن، وقالت إنه إذا قبلنا بأن هناك اختلافا وتمايزا بين الأحزاب والقوى السياسية في زوايا الرؤية الاقتصادية، وأنه في حال تداول السلطة سلميا فإن كل حزب سوف يحاول تطبيق رؤيته عبر سياسات اقتصادية، فإن كل ما نبحث عنه عندئذ ونطالب به هو إطار عام يتضمن المبادئ التالية التي توافقنا عليها:
١- أن روح العصر ومستجداته تنتصر لفكرة اقتصاديات السوق الاجتماعية التي تلعب فيها الدولة والقطاع العام والقطاع الخاص والقطاع المدني والقطاع التعاوني أدوارا رئيسية في دولاب التنمية المستدامة، وفي توفير الأمان الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين.
٢- إن انحيازنا لاقتصاديات السوق الاجتماعية تجعلنا نضع خطا فاصلا بين علاقات السوق وانحرافات السوق، وبالتالي فإننا نرفض الاحتكار وغياب القواعد العادلة للمنافسة وغياب الشفافية وغياب رقابة الدولة بدعوى حرية السوق.. إلخ.
٣- إننا ننحاز إلى السوق الموسعة وليس إلى السوق الضيقة، لأننا نؤمن بأن السوق ينبغي أن تكون بؤرة جذب اجتماعي تتسع لكل الفئات والشرائح الاجتماعية، وليست بؤرة طرد اجتماعي تستبقي فئات وشرائح اجتماعية خارج أسوارها.
٤- ولأننا ننحاز إلى السوق الموسعة فإننا نؤمن بتوسيع القاعدة الإنتاجية بضمانات تتوافر لصغار المنتجين وصغار المدخرين وبإستراتيجيات تسعى إلى تنمية قدرات أكثر الفئات ضعفا.
٥- إننا نرفض السياسات التي تقبل بتركز الثروة لدى أقلية بأمل تحقيق نمو اقتصادي تتساقط فيما بعد ثماره على المجتمع بأسره، فهذه السياسات تفضي إلى زيادة التهميش للفقراء ولشرائح عديدة من الطبقة الوسطى، وتؤدي إلى زيادة الأغنياء ثراء بما يهدد الأمن الاجتماعي والأمن الإنساني، وبالتبعية الأمن القومي، وبالمثل فإنها لا توفر شروط النمو المتوازن بين الشرائح الاجتماعية، وأيضا بين المناطق الجغرافية على مستوى المدينة والقرية والأطراف، وفي غياب النمو المتوازن فإن قاطرة التنمية المستدامة لا تذهب بعيدا.
٦- إننا - ومن حيث المبدأ - نرحب بكل السياسات التي تفتح طريقا لنمو وازدهار الاقتصاد المصري بمبادرات وجهود القطاع الخاص، ولكننا نضيف:
(١) أن من حق كل رجل أعمال أن يبحث عن تنمية ثروته، ولكن من حق المجتمع أن يسائله عن مصدر الثروة، وأن يطمئن إلى أنها تكونت في إطار ممارسات قانونية لا شبهة فيها، فقوانين السوق لا تضفي حماية على ممارسات غير قانونية ولا تقبل بها.
(٢) أن معيار التقييم لأداء القطاع الخاص هو مدى إضافته للثروة المجتمعية، ولذلك فإننا نجد أنفسنا أكثر دعما للمنظمين، وهي الفئة التي ينتمي إليها رجال أعمال يقبلون المخاطرة في إنتاج سلع جديدة، وفي تبني أساليب إنتاجية جديدة... إلخ، فهؤلاء يضيفون إلى ثرواتهم وإلى الثروة المجتمعية.
7- إننا لا نؤمن باستقالة الدولة من أداء دورها في المجال الاقتصادي بدعوى حرية السوق، ولم نر دولة في العالم المتقدم أو في عالم النمور الاقتصادية النامية قدمت استقالتها من هذا الدور.. لأن ما يجري على أرض الواقع هو إدارة السوق التي تستبقي للدولة دورا يمتد إلى:
(١) إحكام الرقابة على علاقات السوق للحيلولة دون الانزلاق إلى انحرافاتها.
(٢) سن القوانين التي توفر شروط المنافسة العادلة وإعمالها بما يحول دون إحكام قبضة المنافسة المتوحشة والاحتكار.
(٣) إدارة معادلة التوازن بين المنتجين والمستهلكين في ظل توافق عام.
(٤) الاضطلاع بمهمة «المنظم» في مضمار صناعات التكنولوجيا الطليعية، وبالتالي فنحن نرفض الدعوة إلى انسحاب الدولة من النشاط الإنتاجي، فهناك دور إنتاجي ينتظرها بضخ استثماراتها، على سبيل المثال في مجال الصناعات المتطورة، وفي مجال التقدم العلمي.. باعتبار أن المعرفة قد صارت موردا إنتاجيا في الاقتصاديات المعاصرة.
(٥) إدارة المرافق العامة والحكومية ومؤسسات القطاع العام - التي تقضي اعتبارات الأمن القومي والأمن الاجتماعي أن تبقي في يد الدولة - وفق ضوابط قانونية وتحت رقابة من ممثلي الشعب، ونلحق بذلك ملاحظة مؤداها أن على الدولة أن تدير هذه المرافق بميزانيات تشغيل تعطي الأولوية تسيير دولاب العمل وتأمين احتياجاته، وليس - وكما يحدث الآن - بميزانيات توزيع تعطي الأولوية لرواتب القيادات العليا ومكافآتها.
(٦) تحديد حد أدني للأجور يتوافق مع تكلفة المعيشة، ومراجعة النسب المقارنة بين رواتب ومكافآت القيادات العليا ورواتب ومكافآت مرءوسيهم، فلقد ازدادت النسبة في الحالة المصرية إلى حدود تثير القلق ولا تجد لها سندا موضوعيا.
(٧) تنظيم سوق العمل في ظل ضمانات تقر بحقوق العمال (ومن بينها التأمين ضد البطالة وتوفير التدريب التحويلي) من ناحية، وتشرع لهم وسائل التمكين للدفاع عن هذه الحقوق سلميا من ناحية أخرى.
(٨) تأمين ضوابط التنمية المستدامة التي تقضي بألا يقوم جيل باستنزاف الثروات الطبيعية (بترول، غاز طبيعي، أرصدة غير متجددة للمياه....) وحرمان أجيال قادمة من حقوقها في هذه الثروات دون تعويضها بثروات بديلة، وعندئذ فإن على الدولة أن تراعي التكامل بين ثلاث حزم من الضوابط: (حزمة الكفاءة، حزمة العدل الاجتماعي، حزمة صون البيئة).
سياسات عادلة في توزيع الدخل
ذكرت الوثيقة أن الدعوة إلى الدولة العصرية «مدنية وديمقراطية» تتطلب طرح خيارات البعد الاجتماعي في ظل أقلية تحتكر كل الامتيازات لها ولأبنائها.. بينما تفترش قاعدة الهرم فئات عريضة من المحرومين، والتي تزداد اتساعا بالوافدين من الفقر والتهميش والحرمان، واعتبرت أن الفقر هو عائق على طريق الحرية، كما أنه مسئولية سياسات اجتماعية خاطئة، وحددت خيارات البعد الاجتماعي للوثيقة بـ:
١- إرساء قواعد البنية المجتمعية التي تسمح للفئات الفقيرة والمهمشة بالحراك الاجتماعي صعودا إلى طبقة وسطى موسعة، وهذا يعني تبني سياسات عادلة لتوزيع الدخل القومي.. تحافظ للطبقة الوسطى على مدخراتها.. وترفع نصيب الفئات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة في حصة التوزيع، ولا تنحاز لرأس المال على حساب عنصر العمل.. وتحول دون تركز الثروة في قبضة أقلية في قمة الهرم الاجتماعي.
٢- وفاء الدولة بالتزاماتها الاجتماعية بما يكفل جودة الحياة - على الأقل بحدودها الدنيا - لمواطنيها، وبما يكفل أيضا الأمن الإنساني للشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة، وهو الأمن الذي يطالب الدولة - ضمن مطالبات أخرى - بمد شبكة البنية الأساسية «مياه الشرب الصالحة، الصرف الصحي...» إلى كل المناطق.
٣- أن كل المواطنين هم شركاء في التنمية، ولذلك فإن التعليم لا يعد فقط هو الحق والواجب.. حق لكل طفل ذكر أو أنثى.. وواجب تلتزم به الدولة، ولكن جودة التعليم - وكما نؤمن - هي الأخرى حق وواجب، فالتعليم هو عملية لخلق قدرات لدى الأفراد، ومن ثم فهو استثمار بشري وليس إنفاقا جاريا، وبمدى جودته بالتالي يصير الأفراد، كل الأفراد، شركاء في التنمية.
جودة التعليم واستقلال الجامعات
المدارس والجامعات الحكومية ينبغي أن تتمتع بجودة التعليم وليس مقبولا التحجج بضعف الإمكانات المالية، فجودة التعليم - إذا ما خلصت الإرادة وانفرجت زاوية الرؤية - تقبل بالحد الأدنى من التمويل ولا تبقى معلقة بالحد الأقصى.
وأن استقلالية الجامعات هي زاوية ارتكاز في تطوير التعليم بقدر ما تكون منفرجة وراسخة، ومعيار الاستقلالية كما نتبناه هو تمتعها بالحرية الأكاديمية دون تدخلات حكومية تستلب الاستقلالية وتصادر الحرية، وتدفع بالأساتذة الموهوبين بعيدا عن مركز الفعل وتحل بديلا لهم آخرين بمعيار الولاء السياسي.
ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل واحتياجات التنمية المستدامة هو ضرورة لا تحتمل الجدل، ولكننا نرى - في الوقت نفسه - أنها ضرورة مشروطة برؤية مستقبلية للاقتصاد المصري يزداد بها الطلب على العمل الأكثر تأهيلا والذي يدفع بدوره - ومن خلال الربط - إلى تحفيز التعليم على التطور ضخا لمخرجات مكثفة للمعرفة والتكنولوجيا والمؤسسة التعليمية يجب أن توفر في جميع وحداتها قيم الديمقراطية مثل «التسامح، العقلانية، الحرية، الشفافية».
ويجب أيضاً أن تضطلع بدور محوري ونشط من خلال أساتذتها وطلابها في التصدي للقضايا المجتمعية مثل محو الأمية، وتنمية رأس المال الفكري والاجتماعي، وإصحاح البيئة، وتعميق مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان.
إن التعليم مسئولية سيادية وعليه تجب إعادة صياغة القوانين والتشريعات والآليات التنظيمية بما يساعد جميع عناصر المنظومة التعليمية «عام وخاص»، «وطني وأجنبي»، «مدني وديني» على إعداد المواطن المصري بمواصفات تمكنه من الحفاظ على تماسك اللحمة الوطنية، وهويته وتراثه الحضاري، كما تمكنه أيضا من المشاركة الفاعلة في التقدم الإنساني.