
الثورة وصراع المسارات
نحن الأن أمام لحظة فارقة فى مسار ثورة الشعب المصرى، تستدعى منا الإنصات والتفكير العلمى والمنطقى؛ كى نصيب فى توجيه أصابع الاتهام والخطأ لكل متلاعب أو سارق أو مخطط يريدنا أن نعيش أو نتعايش مع هذه الأزمة السياسية الحادثة فى البلاد منذ 27 مايو وحتى هذه اللحظة لننتقل إلى مأساة نبكى فيها على أطلال الثورة التى بتنا غير قادرين على تحويلها إلى مسارها الصحيح والتوافقى، وذلك وسط عمليات التسطيح والتبسيط للأزمة التى نعيش بها المن كلا الجانبين الفاعل فى الأحداث، فذلك يجعل المشهد يزداد سخونة لا يحتملها الهدف الذى ننشده فى النهاية من تلك الثورة، وبعيداً عن عبارات " المتمسحون ببيادة العسكر "، مع العلم أننى من أكثر المنادين برحيله والمؤمنين بناءاً على الشواهد وليس الخيال بأن هؤلاء العسكر لا يرغبون جدياً فى الاستمرار فى حكم يضيق بتركتها كل فصيل وطنى مخلص لذلك البلد على الأرض.
فى بداية الأمر لابد أن يستدعينا سؤال عمن دعى لمليونية " 9 سبتمبر " بمسمياتها المختلفة؟
... إرجع بذاكرتك للخلف؟
الإجابة هى أنه إن كنت حضرتك قارئ جيد للأحداث اليومية منذ بدايتها أو بجهد مبذول من سيادتك لاحقاً على الشبكة العنكبوتية، ستكتشف أن الدعوة الأولى لهذه المليونية جاءت من مجموعات علمانية لثورة جديدة يوم 9 سبتمبر تحت عنوان " ثورة الدولة المدنية ... هويتنا المصرية خط أحمر "، وذلك رداً على " جمعة الهوية والإرادة الشعبية " التى قامت بها القوى السياسية الإسلامية، انضم للدعوة بعدها مباشرةً بعض الحركات المشبوه ولاءها واتجاهها الوطنى مثل " صفحة ثورة الغضب المصرية الثانية "، بعد نقاش بين تلك الحركات تطور مسمى الدعوة من ثورة الدولة المدنية إلى " ثورة الغضب الثالثة " ثم إلى" جمعة استعادة الثورة " لتستقر عند مسمى " جمعة تصحيح مسار الثورة " الذى أعتقد أنه المسمى الأكثر دلالة من الهدف وراء تلك المليونية كما سأعرض لاحقاً.
المأساة التى نتكلم عنها هى بنقل قوى مشبوهة ومحرضة للصراع الدائر بين ثلاثة أطراف ( المجلس العسكرى – القوى السياسية الوسطية والإسلامية – الحركات الشبابية والقوى العلمانية ) حول طريقة إدارة المرحلة الإنتقالية والمستقبل السياسى لهوية الدولة والحكم من بيوت السياسة إلى ميادين الثورة وصينية التحرير ثم أخيراً عند السفارة الإسرائيلية؛ وذلك عبر الضغط المستمر على الجيش المصرى لإطلاق النار على المتظاهرين لتتلوث بذلك بندقية الجيش بدم الشهداء ويختلط مبارك بطنطاوى كى يسقط يسقط حكم العسكر، أو ليتم تصعيد الضغط من داخلى فقط إلى " داخلى – خارجى " وليتشكل كل المطلوب لتدخل دولى فى صنع القرار المصرى الذى بدأت منذ فترة النية نحو استقلاله بأزمة ملموسة بين الإدارة الأمريكية والمجلس العسكرى حول التمويل الأجنبى لحركات وقوى سياسية فاعلة فى المشهد السياسى المصرى، تطور الضغط من " دستور أولاً " و " ووثيقة فوق دستورية لفرض نموذج غربى حداثى للدولة المدنية " إلى المحاولة الجادة والملموسة بين يدينا الأن والدائرة فى نقاش الناشطين السياسين القائدين على مسرح الأحداث إلى إتخاذ النموذج التقليدى الغربى للثورات العنيفة طويلة المدى الزمنى عبر مراحل زمنية تبدأ باسقاط الحكم ثم تركيع كل قوى النظام القديم ثم التنافس العنيف على السلطة لتنتصر إحدى قوى الشارع فى النهاية وتفرض سيطرتها لتستلم السلطة وتحقق أهداف الثورة كما تراها، هذا النموذ يلخصه الانتقال من نموذج " الثورة المصرية السلمية " التى بدأت يوم 25 يناير إلى " نموذج الثورة العنيفة " بسبب قوى سياسية أدركت بعد الاستفتاء أنها ليس لها مستقبل سياسى فى مصر وذلك لأنها تدعى أن الأحزاب الدينية اختطفت منها الثورة التى صنعتها – حسب ادعاءها – وساندها فيها باقى التيارات بدعم من المجلس العسكرى حسب نظرية مثلث الشر ( المجلس – الاخوان – الفلول )، وبسبب حركات شبابية بعضها ممول من الخارج لتعطيل مسار النقل السلطة إلى العب الذى قام بثورته واستمرار حالة الفوضى السياسية وائتلافات وتيارات شبابية أخرى تريد لنفسها دور على الخريطة السياسية الجديدة أو تحاول صناعة بطولات وامجاد تاريخية بالولولة المستمرة على دماء شهداء واتخاذها كذريعة لانتساب صفة ثائر وما هو إلا ب" نصف ثائر ".
ليس غريباً إذاً ما كنا نسمعه يومياً من 3 من مرشحى الرئاسة الذى تدور حولهم علامات التنسيق قديماً وحديثاً مع الخارج حول توقعاتهم عن ثورة عنيفة قادمة أو ثورة الفقراء وتوقعاتهم بأن نسير نحو ثورة دم جديدة مع المجلس العسكرى أو ما قاله ميكافيللى مصر " ممدوح حمزة" عن ثورة الفقراء الذين سيضيقون مستقبلاً بالثورة، لنتساءل نحن بعد كل تلك الكلمات التى كنت أقرأها يومياً: أكانت تلك توقعات أم تهديدات؟
الجديد فى الامر أن كل يوم يتطور السلوك الإعلامى والخطاب التعبوى لتلك القوى السياسية فى فعاليتها الهادفة لتعطيل التحول الديمقراطى فى مصر، فكل بيان ما خفى فيه كان أعظم وتحت كل مطلب تتبلور المطالب الحقيقة وراء استثمار دماء الشهداء والمحاكمات العسكرية، كى لا نرى مثلاً أى تعليق لهؤلاء المرشحين المشبوهين للرئاسة عن أحداث السفارة وكأنه إختفاء متعمد لتجنب علامات الاستغلال للحدث، أو أن تصدر حركة 6 ابريل بياناً تنفى فيه مشاركتها من الأساس فى التظاهر أمام السفارة الإسرائيلية مع أن الداعى الحقيقى لجمعة الشواكيش لهدم الجدار هم من الحركة وائتلافات بأسماء جديدة كى تدارى على أفعال الحركة المفهوم حبها للوطن – المشكوك فى أفعالها الوطنية – والمعروف التمويل لنشاطها ورؤيتها للثورة العنيفة.
نحن إذاً أمام تحالف جديد بصورة غير مقصودة على الأرض بين أربعة أنواع من القوى السياسية الفاعلة على المشهد لتعطيل اللإنتقال الديمقراطى السلمى من حكم العسكر لحكم الشعب، النوع الأول كما قلنا هى القوى العلمانية والليبرالية واليسارية التى تريد تسليم السلطة لنفسها بنفسها فهى ترى أنها الأحق بها من الاخرين بحكم أنها الراعى الحصرى والوحيد للثورة، النوع الثانى هو الحركات الشبابية الجديدة والشباب المستجد على المشهد السياسى والذى يستغل مواقفه تلك القوى العلمانية، النوع الثالث: دول خارجية تضغط بكل قوة لتعطيل الانتخابات وابقاء الفوضى السياسية الموجودة وتحويل المسار من " النموذج المصرى للثورة السلمية " إلى النموذج الغربى والذى تم تطبيقه مع بعض الضوابط فى " ليبيا " ، النوع الرابع والأخير: هى فلول النظام القديم وجيوش البلطجية الذين تحولوا إلى ثوار فى معظم مؤسسات الدولة محرضين على عمليات الإضراب والاعتصام وقطع الطرق ... الخ متحالفين مع كل فعالية سياسية تنظمها القوى العلمانية والشبابية بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتحويل مسار الثورة إلى الثورة العنيفة أو لإثبات نظرية " أنا والفوضى من بعدى ".
تلك كانت نظرة عامة وتحليل مفصل لقديم وحديث الأحداث الحالية كما أراها وبناءاً على الخيوط المتحركة فى المسرح السياسى المصرى، ودمتم ودامت ثورتنا كما كانت فى حفظ الله
0 comments:
Post a Comment