Saturday, December 10, 2011

أزمات على الطريق


أزمات على الطريق ... كتبها: محمود بركات

لا أدرى ما هو شعور 75 نسمة قبطية فى قرية الماريناب بمركز إدفو بأسوان حول موقعة ماسبيرو، ولا أعلم كيف يفكر 18 ألف نسمة مسلمة فى نفس القرية حول نفس الموقعة، ولكن المؤكد لى أننا أمام تطبيق إحترافى وبإمتياز لفن صناعة الأزمات السياسية وتصديرها فى دولة بلا أى مؤسسات تنفيذية منتخبة و تشريعية و رقابية، أزمة يتم صناعتها بصورة استباقية ووضعها فى يد من تقوم بتصديرها له كى يتخذ بحقك وبحق غيرك ما يراه من القرارات الإستثنائية لخدمة شبكة المصالح المختلفة فعلاً وفاعلاً لإعادة تشكيل ملامح المشهد السياسى الحالى فى مصر، وعرقلة مسار التحول الديمقراطى الذى من المقرر أن يبدأ خلال ساعات، إذا لم يكن صحيحاً ما هدد به رئيس الوزراء عصام شرف باستخدامه لصيغة الفعل الماضى فى بيان منتصف الليل حين قال: " هذه الأحداث عادت بنا خطوات إلى الخلف ".

بكبر حجم هذه المسافة الفاصلة بين مبنى الإذاعة والتليفزيون ومحافظة أسوان تم طبخ أزمة سياسية معتبرة منذ أكثر من شهر كى ننام جميعاً على مشهد حريق القاهرة فى عام 52 قبل أن ينقلب عسكر يوليو على الحكم، أستخدم وصف الأزمة بالسياسية لأننى أرفض تمام الرفض محاولات تسطيحها واختزالها فى فتنة دينية بين طرفى الأمة، فالذى حدث ونتائجه وتداعياته على مستقبل البلاد أكبر من ذلك بكثير، وكيف أصلاً أن نصف الأمر بالفتنة وهى بين طرف دينى قبطى ومؤسسة عسكرية لا دينية وظيفياً وعقائدياً، وليس بعيداً عن الأمر تقرير الحريات الدينية المتعلق بمصر الصادر من بلاد العم سام أو أحداث السفارة الإسرائيلية ومسيرات العباسية والحملة الإعلامية لتخوين الأحزاب السياسية بعد حصولها على مكاسب سياسية مهمة، فهذه كلها مطبات على طريق واحد

رحم الأزمة هو قرية صغيرة يعيش فيها أقل من 100 مسيحى وأكثر من 18 ألف مسلم، بدأت منذ عام 2010 بكنيسة ماجرجس بقرية الماريناب بأسوان بقيام أقباط القرية بالحصول على ترخيص رقم 42 لعام 2010 لإعادة بناء مضيفة تابعة لقبطى اسمه " معوض يوسف "، بعد الثورة تلاعب الأقباط بالترخيص وقاموا بتزويره - حسب تقرير رسمى - لتحويل المضيفة إلى كنيسة، وأثناء بناء 3 قباب اكتشف مسلمو القرية الأمر فاستدعى ذلك منهم التقدم بالشكوى وخلال هذه الفترة تم عقد 3 جلسات صلح عرفية تنتهى كل مرة بحلول وسط عبر إلزام الطرف القبطى بتخفيض ارتفاع القباب الغير مرخصة مع عدم تركيب جرس أو صليب، وكل مرة يتجدد التوتر بسبب عدم الإلتزام القبطى بما تم الإتفاق عليه بسبب تعليمات عليا قادمة من القاهرة للكنسية حسب وصف البعض، حين بدأ الموقف بالاشتعال فى أول سبتمبر أصدر المحافظ قراراً بإزالة الدور الثانى للكنيسة والإبقاء على المضيفة كمضيفة كما كانت مع السماح بإقامة الشعائر الدينية داخلها، وحين ضرب الأقباط بالقرارات المتكررة عرض الحائط ، قرر المسلمون أن يأخذوا حقوقهم بأيديهم فى دولة غابت عنها سيادة القانون فقاموا بتنفيذ قرار المحافظ بهدم الدور الثانى بأنفسهم لتطفو الاشتباكات بين الطرفين على السطح وتبدأ الأزمة فى الانفجار، تم تشكيل لجان هنا وهناك لم تجد حلاً حقيقياً للأزمة، وصعد أقباط مصر من احتجاجاتهم فى كل محافظات الجمهورية كى تنتهى إلى مليونية الغضب النبيل كما سماها القساوسة والتى انتهت بليلة سوداء فى سماء العاصمة.

وحتى لانختزل الأمر، فلابد علينا أن نضع الموقف فى سياقه، فالدور القبطى قبل وأثناء وبعد الثورة حاضرة فيه السياسة ومصالحها بكل قوة، فقد كانت دائماً مؤسسة الكنيسة هى المبايع للمخلوع ووريثه فى الملعب السياسى، وكانوا المفزوعين من فزاعة حكم الإسلاميين لمصر، والحاضرين فى تقارير وزارة الخارجية والكونجرس الأمريكى والاتحاد الأوروبى عن الحريات الدينية وحقوق الإنسان وأداة الضغط على الحاكم السياسى للدولة إن احتاجوا للضغط وأداة الحشد والتعبئة يوم موقعة الجمل فى مسيرات تأييد المخلوع، لن اكون مبالغاً إن اعتبرت القيادات الكنسية وشباب ماسبيرو " بالفلول " وخدمتهم للثورة المضادة لعرقلة عملية التحول الديمقراطى، من خلال تحالف مقصود أحياناً وغير مباشر كثيراً بين جهات خارجية تدفعنا نحو النموذج الغربى للثورة العنيفة الذى يحصلون من خلاله على أكبر قدر من التدخلات السياسية على الأرض، وفلول الحزب الوطنى الذى يحاول الغرب كل يوم إعادة انتاجهم فى أشكال جديدة، وحركات سياسية من انصاف الثوار تحارب من أجل موجة ثانية للثورة عنيفة الأسلوب بلا فهم لألعاب السياسية وكأنهم يعتقدون أن هتافات " يسقط المشير " تعجل فعلاً برحيله، أخشى أن نزرع فى النهاية المشير طنطاوى كرمز الإستقرار فى عيون شعب يتم دفعه للخروج العظيم من أجل لعن الثورة والديمقراطية ونتائجها، والمطالبة بالخبز أولاً كما يهدد مرشحو رئاسة وقيادات سياسية.

وبالرغم من أننا نعلم ونوفن خطورة حجم الأزمات والمطبات الطبيعية والصناعية على طريق الانتخابات، كى يستلم الشعب المصرى أول استحقاقاته وحقوقه الديمقراطية من الثورة ببرلمان شعبى تشريعى و رقابى على السلطة التنفيذية الحاكمة – عسكر وحكومة – إلا أن جعبة الحاوى أكبر بكثير ... فأعدوا

0 comments: