
حسناً أيها الغرب؛ فقد اكتشفنا – نحن ثوار الثورات العربية المتنقلة – أننا لسنا فى ربيع عربى سينتهى بنا إلى باقات الورد فى نهاية المضمار، على العكس من ذلك فنحن لم ننجح إلا بالتخلص من " الأوغاد " وكسر الكتلة المتماسكة للنظام القديم ورسم آليات مرحلة نقل السلطة، فى غياب رؤية مستقبلية واضحة المعالم وبعيدة المدى لإدارة المراحل التاريخية المتعاقبة للثورة التى تبدأ مرحلتها الثانية خلال أيام فى نقل السلطة – كاملة كما نريد – من " مدير أزمات حسنى مبارك " إلى الشعب الذى صنع ثورته ثم عاد إلى مقاعد الجمهور إنتظاراً لعملية سريعة لتوزيع الأرباح.
ليس هذا – سيدى القارئ – هو إدراك متأخر للحقائق أو صحوة بعد شهر عسل؛ إنها فقط الكلمات المناسبة فى وقتها المناسب حين يبدأ انحراف مسار نقل السلطة بالكامل لتصبح عملية مشروطة لإحتواء نتائج وتغييرات مستقبلية، إتفقت قوى غربية وسياسية وعسكرية ونخب وفلول على تحجيمها وخنقها بأكبر قدر ممكن بالسلاح التقليدى " استدعاء العسكر "، ليس بالدبابات هذه المرة بل بمظلات المبادئ الفوق دستورية.
تنظر مخازن الأفكار الغربية والأمريكية للثورة العربية التى نجحت – معملياً وعن غفلة من المراقب الغربى – فى تونس، ثم انتقلت لمصر بنجاح مدوى لتعبر إلى اليمن – ليبيا – سوريا ... خطراً أساسياً على المصالح القديمة والحالية للغرب، فهى كالفيروس الذى سيدمر كل ما ثبتته أساطيل الامبريالية فى العقود الماضية على الخريطة العربية والاسلامية، هذه الرؤية لا تتعلق فقط بنا، بل هى رؤية تاريخية دائمة لأى تغيرات سياسية سلبية فى المناطق الحيوية والاستراتيجية وتختلف خطة التعامل معها حسب اختلاف الزمان والمكان؛ فهنرى كيسنجر كان يبرر التدخل العسكرى الأمريكى فى شيلى للإطاحة برئيسها المنتخب – سيلفادور اليندى – بأن هذه الديمقراطية الناشئة سوف تكون " كتأثير الدومينو Domino Effect " على دول أمركيا اللاتينية – الحديقة الخلفية للبيت الأبيض – حيث قال:
" The Chilean Virus might spread as a contagion and affect countries as far as Europe " .
فالعم سام يريد ضمانات لبناء نظام سياسى جديد تستمر فيه نفس قواعد المعادلة المتحكمة استراتيجياً فى المنطقة بكل الخيارات المفتوحة التى تبدأ بالتدخل الناعم عبر الاختراق والاحتواء والوصاية، وتنتهى بالتدخل الخشن المباشر بتدخل عسكرى أمريكى أو الغير مباشر: قمع محلى عسكرى.
أما عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية – كتوصيف صحيح لدوره ومهمته كى لا نفرض على أنفسنا لا إرادياً واقع الحكم العسكرى – فهو رجل الازمات للرئيس المخلوع حسنى مبارك الذى طالما استعان به عند الضرورة وفشل الإدارة المدنية لوزارات المخلوع، ويرتبط المجلس بحجم كبير جداً من العلاقات المباشرة وخطوط الاتصال بين الدوائر السياسية الأمريكية وأعضاء المجلس تتقاطع مع معونات عسكرية سنوية تصل قيمتها 1.3 مليار دولار يدفعها دافعو الضرائب الأمريكين كفاتورة بخسة لشراء التحالف الاستراتيجى لأمريكا مع النظام المصرى يحصل فيها الجيش المصرى على " تخفيض " قدره 80 % لمشترياته من الأسلحة، هذا غير العبور الدورى السلس للأساطيل الأمريكية فى قناة السويس وكذلك استباحة المجال الجوى المصرى للطائرات الحربية الأمريكية، لتظل بذلك تبعية الدولة المصرية جزء كبير منها مرهون بالعلاقات العسكرية المشتركة.
ومع التصعيد الثورى المستمر فى الشارع طوال أيام الثورة فقد وضع الجيش نفسه فى خانة الحياد السلبى - مع بعض الاعتقالات للمعتصمين فى الميدان – خدمةً للدور الأساسى وهو منع التوريث والتمديد مع اجراء انتخابات رئاسية يتولى فيها عمر سليمان مقاليد الحكم؛ ولكن مع دخول شرائح جديدة متتابعة وانضمامها للثورة وبسبب استهلاك وفشل مصداقية الرجل الثانى، كان طرح القوات المسلحة كخطة بديلة مقبولة شعبياً لإدارة عملية نقل السلطة بأقل قدر من الخسائر المادية والسياسية والاستراتيجية للأسرة الغربية والمباركية والعسكرية والمالية؛ وللأسف الشديد فإننا كنا ندرك ذلك أثناء وبعد الثورة، ولكنها السياسة التى تفرض عليك الاختيار بين البدائل، فى ظل فشل لصناعة توافق وطنى حول قيادة سياسية ( مقبولة داخلياً وخارجياً ) تستلم السلطة بديلاً عن احتواءها بالعسكر، لنصنع بذلك ثورة بها مميزات وعيوب الشخصية المصرية.
ومع إعلان نية المجلس لوضع وثيقة مبادئ فوق دستورية تتضمن بنوداً تمثل جريمة سياسية فى حق من يروجون لها بالباطل بعد الضغط المستمر و( المستميت ) من أجلها ضمن أهداف سياسية أخرى عبر ضغط أمريكى فى الكونجرس للتلويح بإلغاء المعونة العسكرية إن لم يلبى المجلس طلبات أغلبها مجهول – وفعاليات ثورية تستغلها قوى سياسية وشبابية لتحقيق مكاسب سياسية لها أهمها تأجيل الانتخابات لعدم جاهزيتهم لها ووضع وثيقة مبادئ فوق دستورية تضمن علمانية الدولة المصرية، والكنيستين الإنجيلية والأرثوذكسية: الأولى دفعت مالاً والثانية دماً من أجل تقديم المجلس العسكرى لهذه التنازلات خوفاً من مستقبل يتصدره الإسلاميون ( نفس الفزاعة القديمة التى رباها عليهم النظام المخلوع)، والقوى الإسلامية التى أخطأت حين سحبت ذراعها من استمرار الزخم الثورى وتتحمل مسئولية عودة الشارع وطليعة الشعب إلى خانة المشاهد بل والاستعداء المستمر للثورة ، هذه المسئولية يتحملها بحكم أن الإخوان هم من تحملوا مسئولية تصعيد وإنجاح الثورة فى الشارع حتى شهر ابريل.
لن نتجادل حول الوثيقة ولن ندخل فى نقاش مع قوى أدركت فشلها بعد الثورة فى خلق دعم شعبى يصل بها وبأفكارها لحيز التطبيق؛ وثيقة الدكتور على السلمى تمثل جريمة سياسية كبرى فى حق المصلحة الوطنية سيدفع ثمنها غالياً من مستقبله السياسى لما للوثيقة من محاولة مفضوحة لإستدعاء قواتنا المسلحة بالباراشوت وإقحامها فى معركة سياسية ليس من شأنها عبر ابتزازها بجزرة الصلاحيات المطلقة فى إدارة ملف الأمن القومى والتسليح والميزانية وإدارة الصراع العربى الإسرائيلى مع إمتيازات خاصة تمنعها من المحاسبة والمساءلة والرقابة مع حرية الاستدعاء فى حالة أن يأتى الشعب بأفكار لا يرضى عنها الغرب والنخب الإعلامية، مع مادة خطيرة تنبئنا بأن هناك من سيجرنا لإلغاء اللجنة المنتخبة عبر ضغط سياسى على المجلس، هذا فضلاً عن جريمة إلغاء الإرادة الشعبية الغير قابلة للتفاوض.
على الجميع أن يدرك أن بداية انزال العسكر بوثيقة السلمى هى بداية الطريق لاعادة انتاج " أسرة محمد على " فى ثوب ميرى مع وجود حملات اعلامية وتحركات مجتمعية لزرع العسكر كرمز للاستقرار فى عيون الشعب، لذلك فمطلوب منا الرفض الكامل للوثيقة وترتيب أوراق المرحلة الجديدة للثورة من خلال الخطوات الآتية:
إعادة الزخم الثورى مرة أخرى لإعادة التدافع الشعبى وإدخاله فى المعادلة السياسية من جديد بصورة حكيمة وتوافقية مع الحركات السياسية الوطنية حول الأهداف المشتركة نتجنب فيها رفع درجة القلق للمؤسسة العسكرية على مصالحها المادية وبصورة مدعومة شعبياً تتلاقى مع آمال الشعب وطموحاته لإتمام مرحلة نقل السلطة الكاملة لممثلى الشعب المنتخبين كى نبدأ الفترة الانتقالية لمؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة.
إعادة ترتيب ملف الانتخابات مع القوى الوطنية المعتدلة والتوافقية من خلال الإخلاء والتنسيق المشترك فى الدوائرلانتاج برلمان توافقى لا تتكون فيه كتلة معارضة متماسكة تبتز العسكر وتسمح للمجلس بالوصاية على لجنة إعداد الدستور والتدخل فى الملفات السياسية.
تشكيل لجنة مراقبة وطنية من عقلاء الأمة المتوافق عليهم يكون بمثابة بيت العائلة للحركات الوطنية نرجع له جميعاً دورياً لصيانة المشهد وملء فراغاته وعلاج إشكالاته.
بدء حوار جاد مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاستيضاح وإيضاح الدور المستقبلى للمؤسسة العسكرية فى الدولة المصرية الحديثة المنشودة.
تدشين حملات شعبية ومجتمعية فاعلة لإفشال نجاح فلول الحزب الوطنى فى الانتخابات وفضح الأعضاء المرشحين على قوائم الأحزاب مهما كانت.
النزول للشارع وتوعيته بخطورة إطالة فترة تسليم السلطة وأهمية رجوع الجيش لثكناته وعائدات ذلك على المصالح المباشرة للشعب.
بداية حملات حث للمصريين على المشاركة الايجابية أثناء عملية الدعاية الانتخابية للتعرف المباشر على برامج وأفكار الأحزاب ورفع نسبة التصويت إلى أكثر من 55 % .
البداية المباشرة عقب الانتخابات فى صنع توافق وطنى حول حكومة ائتلافية فاعلة والضغط على المجلس العسكرى لقبولها وتنحية الحكومة الحالية الفاشلة.
ابتداء عملية تزكية نواب البرلمان للمرشحين للرئاسة عقب بداية عمل البرلمان لتسريع اجراءات الترشح لرئاسة الجمهورية ونقل السلطة.
0 comments:
Post a Comment